الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف انتشر السحر والخرافة والدجل بين الناس؟!
كيف تنتشر الخرافة
ينتشر السحر ويتفاوت انتشاره من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن أشخاص إلى أشخاص بحسب تفاوت الأسباب.
وفي العصور المتأخرة زاد انتشار السحر، وتنوعت أساليبه؛ تبعاً لتقارب الزمان، واندارس كثير من معالم السنن.
وفيما يلي ذكر لبعض الأسباب التي ساعدت على انتشار السحر، مع ملاحظة أن بعضها داخل في بعض، وأن منها ما يعود إلى السحرة والمشعوذين، ومنها ما يعود إلى المتلقين والمخدوعين، ومنها أسباب خارجة عن ذلك.
وبمجموع تلك الأسباب تنتشر الخرافة، ويستطير شر السحر والدجل؛ فإلى تلك الأسباب:
1- الجهل: فهو على رأس الأسباب التي تمكن للخرافة والسحر والسحرة؛ فتجد من المخدوعين من يجهل حكم الشرع في الذهاب إلى الكهان والسحرة، ويجهل حُكْمَ سؤالهم وتصديقهم، ويجهل عواقب الأمور، ويجهل الأسباب الحقيقية الصحيحة للشقاء والسعادة، وتحصيل الخير.
وتجد منهم من يجهل حقيقة السحرة والمشعوذين والكهان، وتراه يغتر ببعض ما يقومون به من مخاريق وأمور خارجة عن العادة، ويغتر بما يشاع عنهم من أخبار تفيد أنهم يعالجون، أو يجلبون السعادة، أو ما يدَّعونه من العلم، والولاية، والديانة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيجب أن يفرَّق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال -تعالى-: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }(62) {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [يونس: 62 - 63].
وقال -رحمه الله-: "وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع، فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يُقبل منه كل ما يقوله، ويسلِّم إليه كلَّ ما يقوله، ويسلِّم إليه كل ما يفعله، وإن خالف الكتاب والسنة".
وقال: "وكل من خالف شيئاً مما جاء به الرسول مقلداً في ذلك لمن يظن أنه ولي لله فإنه بنى أمره على أنه ولي لله، وأن ولي الله لا يخالُف في شيء.
ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟!
وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه ولياً لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة، أو غيرها، أو يمشي على الماء أحياناً، أو يملأ إبريقاً من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحياناً عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم، أو مريض أو نحو ذلك من الأمور.
وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء لم يُغْتَرّ به حتى يُنْظر متابعته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وموافقته لأمره ونهيه"
إلى أن قال: "وكرامات أولياء الله -تعالى- أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها ولياً لله فقد يكون عدواً لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار، والمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم، وأفعالهم، وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة.
مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص، ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابساً للنجاسات معاشراً للكلاب، يأوي إلى الحمامات، والقمامين، والمقابر، والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف"
إلى أن قال: "فإذا كان الشخص مباشراً للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات، والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيَّات، والعقارب، والزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول، ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله، فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب، أو النيران، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى، أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن - فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن"
2- ضعف الإيمان والتقوى: قال الله -عزَّ وجلَّ- في حق الذين يؤثرون السحر: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة: 102].
قال ابن رجب -رحمه الله- في بيان معنى هذه الآية: "والمراد أنهم آثروا السحر على التقوى والإيمان؛ لما رجوا فيه من منافع الدنيا المعجلة مع علمهم أنهم يفوتهم بذلك ثواب الآخرة.
وهذا جهل منهم؛ فإنهم لو علموا لآثروا الإيمان والتقوى على ما عداهما، فكانوا يحرزون أجر الآخرة، ويأمنون عقابها، ويتعجلون عز التقوى في الدنيا، وربما وصلوا إلى ما يأملونه أو إلى خير منه وأنفع؛ فإن أكثر ما يطلب بالسحر قضاءُ حوائجَ محرمةٍ أو مكروهة عند الله -عزَّ وجلَّ-.
والمؤمن المتقي يعوّضه الله في الدنيا خيراً مما يطلبه الساحر ويؤثره مع تعجيله عز التقوى وشرفها، وثواب الآخرة وعلو درجاتها؛ فتبيَّن بهذا أن إيثار المعصية على الطاعة إنما يحمل عليه الجهل؛ ولذلك كان كل من عصى الله جاهلاً، وكل من أطاعه عالماً، وكفى بخشية الله علماً، وبالاغترار به جهلاً"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مبيناً فضل التقوى، وأنها سبب للولاية، وأن من كان ولياً لله أمكنه التفريق بين الصادق والكاذب.
قال: "فإذا كان العبد من هؤلاء -يعني من أولياء الله المتقين- فرَّق بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما يُفَرِّق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يفرِّق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء، وكما يفرِّق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق، وبين المتنبئ الكذاب؛ فيفرق بين محمد الصادق الأمين رسول رب العالمين، وموسى، والمسيح، وغيرهم، وبين مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، والحارث الدمشقي، وباباه الرومي، وغيرهم من الكذابين، وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين"
3- كثرة الوسائل المعينة على انتشار السحر، وسهولة الوصول إلى السحرة: حيث يوجد من القنوات الفضائية، والصحف، والمجلات، والكتب، ومواقع الإنترنت، وشركات الاتصالات، ما يعين على انتشار السحر، ونفاق سوقه.
4- الطمع، والرغبة في كسب المال: سواء كان ذلك من قبل الساحر، أو قِبل القنوات الفضائية التي تُمكِّن لهم، أو من قبل شركات الاتصال، أو الصحف أو غير ما ذكر.
فإذا اجتمع إلى ذلك ضعفُ الإيمان أو انعدامه، وقلة المبالاة بمصدر الكسب - فلا تسل عما سيحدث من شرخ وبلاء.
5- الرغبة في استشراف المستقبل: فذلك يبعث إلى البحث، والسؤال؛ فالنفس الإنسانية مولعة بمعرفة الغيب.
يقول ابن خلدون -رحمه الله-: "اعلم أنَّ من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعِلْمِ ما يحدث لهم من حياة وموت، وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مُدَد الدول أو تفاوتها.
والتطلعُ إلى هذا طبيعةُ البشر، مجبولون عليها، ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام"
فإذا اجتمع إلى ذلك الجهل، والفراغ، وضعف التقوى - قاد إلى استشراف الغيب من أي مصدر ولو كان عبر السحر والشعوذة.
ولقد أشبعت الشرائع الإلهية، والرسل المبعوثون من عند الله هذه النزعة البشرية في النفس الإنسانية، فحدَّثت عن عالم الغيب، كالحديث عن الله -عزَّ وجلَّ- وأسمائه وصفاته، وعن عالم الملائكة والجن، وعن الموت وسكراته، والقبر وفتنته، والبعث والنشور والجنة، والنار.
وكالحديث عن كثير من الحوادث المستقبلية كأشراط الساعة الصغرى والكبرى إلى غير ذلك من أخبار الغيب التي امتدح الله المؤمنين بها، وذم المكذبين بها.
6- كثرة الأمراض والأوهام: فهذا مريض مرضاً استعصى على العلاج، وذاك يعيش أوهاماً تقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهلم جرا.
فالرغبة في العلاج، والشفاء من تلك الأمراض تجعل المصاب يتعلق بأدنى شيء يوصله إلى ذلك.
7- قلة العقوبات الرادعة للسحرة: ففي كثير من البلدان يسرح فيها السحرة، ويمرحون، ويزاولون أعمالهم دون رقيب عليهم.
بل ربما وجدوا الحماية، والتصريح لهم بفتح مراكز تعلم السحر، والكهانة.
8- مشاهدة الصغار للأفلام الكرتونية المشتملة على الخرافة: كبعض ألعاب البلايستيشن وغيرها، مما يحتوي على ممارسات المشعوذين والدجالين، مما يجعل المشاهد يستمرئ ما يراه في صغره؛ فلا يكاد ينكره حال كبره.
الدعوة
العدد 2167 | 8 ذو القعدة 1429 هـ بقلم: فضيلة الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد
نقلته لكم
والدال على الخير كفاعله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف انتشر السحر والخرافة والدجل بين الناس؟!
كيف تنتشر الخرافة
ينتشر السحر ويتفاوت انتشاره من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن أشخاص إلى أشخاص بحسب تفاوت الأسباب.
وفي العصور المتأخرة زاد انتشار السحر، وتنوعت أساليبه؛ تبعاً لتقارب الزمان، واندارس كثير من معالم السنن.
وفيما يلي ذكر لبعض الأسباب التي ساعدت على انتشار السحر، مع ملاحظة أن بعضها داخل في بعض، وأن منها ما يعود إلى السحرة والمشعوذين، ومنها ما يعود إلى المتلقين والمخدوعين، ومنها أسباب خارجة عن ذلك.
وبمجموع تلك الأسباب تنتشر الخرافة، ويستطير شر السحر والدجل؛ فإلى تلك الأسباب:
1- الجهل: فهو على رأس الأسباب التي تمكن للخرافة والسحر والسحرة؛ فتجد من المخدوعين من يجهل حكم الشرع في الذهاب إلى الكهان والسحرة، ويجهل حُكْمَ سؤالهم وتصديقهم، ويجهل عواقب الأمور، ويجهل الأسباب الحقيقية الصحيحة للشقاء والسعادة، وتحصيل الخير.
وتجد منهم من يجهل حقيقة السحرة والمشعوذين والكهان، وتراه يغتر ببعض ما يقومون به من مخاريق وأمور خارجة عن العادة، ويغتر بما يشاع عنهم من أخبار تفيد أنهم يعالجون، أو يجلبون السعادة، أو ما يدَّعونه من العلم، والولاية، والديانة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيجب أن يفرَّق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال -تعالى-: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }(62) {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [يونس: 62 - 63].
وقال -رحمه الله-: "وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع، فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يُقبل منه كل ما يقوله، ويسلِّم إليه كلَّ ما يقوله، ويسلِّم إليه كل ما يفعله، وإن خالف الكتاب والسنة".
وقال: "وكل من خالف شيئاً مما جاء به الرسول مقلداً في ذلك لمن يظن أنه ولي لله فإنه بنى أمره على أنه ولي لله، وأن ولي الله لا يخالُف في شيء.
ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟!
وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه ولياً لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة، أو غيرها، أو يمشي على الماء أحياناً، أو يملأ إبريقاً من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحياناً عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم، أو مريض أو نحو ذلك من الأمور.
وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء لم يُغْتَرّ به حتى يُنْظر متابعته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وموافقته لأمره ونهيه"
إلى أن قال: "وكرامات أولياء الله -تعالى- أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها ولياً لله فقد يكون عدواً لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار، والمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم، وأفعالهم، وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة.
مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص، ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابساً للنجاسات معاشراً للكلاب، يأوي إلى الحمامات، والقمامين، والمقابر، والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف"
إلى أن قال: "فإذا كان الشخص مباشراً للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات، والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيَّات، والعقارب، والزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول، ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله، فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب، أو النيران، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى، أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن - فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن"
2- ضعف الإيمان والتقوى: قال الله -عزَّ وجلَّ- في حق الذين يؤثرون السحر: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة: 102].
قال ابن رجب -رحمه الله- في بيان معنى هذه الآية: "والمراد أنهم آثروا السحر على التقوى والإيمان؛ لما رجوا فيه من منافع الدنيا المعجلة مع علمهم أنهم يفوتهم بذلك ثواب الآخرة.
وهذا جهل منهم؛ فإنهم لو علموا لآثروا الإيمان والتقوى على ما عداهما، فكانوا يحرزون أجر الآخرة، ويأمنون عقابها، ويتعجلون عز التقوى في الدنيا، وربما وصلوا إلى ما يأملونه أو إلى خير منه وأنفع؛ فإن أكثر ما يطلب بالسحر قضاءُ حوائجَ محرمةٍ أو مكروهة عند الله -عزَّ وجلَّ-.
والمؤمن المتقي يعوّضه الله في الدنيا خيراً مما يطلبه الساحر ويؤثره مع تعجيله عز التقوى وشرفها، وثواب الآخرة وعلو درجاتها؛ فتبيَّن بهذا أن إيثار المعصية على الطاعة إنما يحمل عليه الجهل؛ ولذلك كان كل من عصى الله جاهلاً، وكل من أطاعه عالماً، وكفى بخشية الله علماً، وبالاغترار به جهلاً"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مبيناً فضل التقوى، وأنها سبب للولاية، وأن من كان ولياً لله أمكنه التفريق بين الصادق والكاذب.
قال: "فإذا كان العبد من هؤلاء -يعني من أولياء الله المتقين- فرَّق بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما يُفَرِّق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يفرِّق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء، وكما يفرِّق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق، وبين المتنبئ الكذاب؛ فيفرق بين محمد الصادق الأمين رسول رب العالمين، وموسى، والمسيح، وغيرهم، وبين مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، والحارث الدمشقي، وباباه الرومي، وغيرهم من الكذابين، وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين"
3- كثرة الوسائل المعينة على انتشار السحر، وسهولة الوصول إلى السحرة: حيث يوجد من القنوات الفضائية، والصحف، والمجلات، والكتب، ومواقع الإنترنت، وشركات الاتصالات، ما يعين على انتشار السحر، ونفاق سوقه.
4- الطمع، والرغبة في كسب المال: سواء كان ذلك من قبل الساحر، أو قِبل القنوات الفضائية التي تُمكِّن لهم، أو من قبل شركات الاتصال، أو الصحف أو غير ما ذكر.
فإذا اجتمع إلى ذلك ضعفُ الإيمان أو انعدامه، وقلة المبالاة بمصدر الكسب - فلا تسل عما سيحدث من شرخ وبلاء.
5- الرغبة في استشراف المستقبل: فذلك يبعث إلى البحث، والسؤال؛ فالنفس الإنسانية مولعة بمعرفة الغيب.
يقول ابن خلدون -رحمه الله-: "اعلم أنَّ من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعِلْمِ ما يحدث لهم من حياة وموت، وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مُدَد الدول أو تفاوتها.
والتطلعُ إلى هذا طبيعةُ البشر، مجبولون عليها، ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام"
فإذا اجتمع إلى ذلك الجهل، والفراغ، وضعف التقوى - قاد إلى استشراف الغيب من أي مصدر ولو كان عبر السحر والشعوذة.
ولقد أشبعت الشرائع الإلهية، والرسل المبعوثون من عند الله هذه النزعة البشرية في النفس الإنسانية، فحدَّثت عن عالم الغيب، كالحديث عن الله -عزَّ وجلَّ- وأسمائه وصفاته، وعن عالم الملائكة والجن، وعن الموت وسكراته، والقبر وفتنته، والبعث والنشور والجنة، والنار.
وكالحديث عن كثير من الحوادث المستقبلية كأشراط الساعة الصغرى والكبرى إلى غير ذلك من أخبار الغيب التي امتدح الله المؤمنين بها، وذم المكذبين بها.
6- كثرة الأمراض والأوهام: فهذا مريض مرضاً استعصى على العلاج، وذاك يعيش أوهاماً تقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهلم جرا.
فالرغبة في العلاج، والشفاء من تلك الأمراض تجعل المصاب يتعلق بأدنى شيء يوصله إلى ذلك.
7- قلة العقوبات الرادعة للسحرة: ففي كثير من البلدان يسرح فيها السحرة، ويمرحون، ويزاولون أعمالهم دون رقيب عليهم.
بل ربما وجدوا الحماية، والتصريح لهم بفتح مراكز تعلم السحر، والكهانة.
8- مشاهدة الصغار للأفلام الكرتونية المشتملة على الخرافة: كبعض ألعاب البلايستيشن وغيرها، مما يحتوي على ممارسات المشعوذين والدجالين، مما يجعل المشاهد يستمرئ ما يراه في صغره؛ فلا يكاد ينكره حال كبره.
الدعوة
العدد 2167 | 8 ذو القعدة 1429 هـ بقلم: فضيلة الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد
نقلته لكم
والدال على الخير كفاعله